تأثير المال على السعادة
هل المال يحقق السعادة؟ السؤال الذي يطرحه الكثيرون وتتفاوت الآراء حوله، ففئة من الناس تقول أن لا علاقة للمال بتحقيق السعادة وفئة أخرى تجد أن المال هو السبب الحقيقي للسعادة، والسؤال من منهم المحق؟
في الحقيقة، إذا أردنا تحليل ودراسة هذا التساؤل فعلينا أن نأخذ بعين الاعتبار فكرة مهمة جداً وهي الفئة التي تطرح تلك الإجابات. فالفئة التي تعيش برفاهية مطلقة ما من شيء ينقصها وكل ما تحتاج إليه تحصل عليه سوف تجيب على هذا السؤال وتقول أن المال لا شيء. والحقيقة لأنها لم تجرب القلة ولم تعش شعور الحاجة والجوع، فمن الطبيعي أن لا يتم أخذ إجابة هذه الفئة بالاعتبار لأنها مجرد رأي متجرد من القيمة ومن الإحساس. وكذلك الأمر للشخص الفقير الذي يعيش ظروفاً قاسية والذي حرم من أبسط حقوقه كإنسان. من الطبيعي أن يجد أن المال هو السعادة الحقيقية. وكلتا الحالتين متشابهتين، فالأحق بالإجابة هو الشخص الذي عاش الظرفين القلة والغنى، فهو الأجدر أن يجيب على هذا السؤال.
المال وعلاقته بالسعادة
وهي الفكرة الأساسية التي يتمحور حولها مقالنا هذا، هل المال يحقق السعادة؟ في الحقيقة إن للمال جزء كبير جداً في صنع السعادة ولا يمكن للفئتين إنكار ذلك. تتفاوت هذه النسبة كما وضحنا بين البشر حسب التكوين النفسي لهم. أي يمكننا القول أن الإجابة على هذا السؤال تتعلق بمنحنيين:
- الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشخص
- التركيبة الفطرية للشخص
الوضع الاقتصادي والاجتماعي للشخص
أي الحالة المادية للشخص تلعب دوراً بمدى أهمية المال في حياته، من الناحية الاقتصادية على الأقل أن يتمكن الشخص من تأمين حاجياته ومتطلباته من طعام وشراب وأمور ترفيهية بسيطة كأي إنسان يعيش حياة بسيطة معتدلة بعيداً عن البذخ والإسراف. والوضع الاجتماعي، أي أن يتمكن على سبيل المثال من تكوين أسرة، زوجة وأولاد يؤمن لهم أبسط حاجياتهم، تعليمهم وترفيههم ضمن الحدود بدون مبالغة. فشخص لديه أولاد لا يملك المال ليطعمهم من الطبيعي أن يرى أن المال هو السبب الوحيد للسعادة وذلك لأنه يفتقر لأبسط حقوقه وهو أن يكون أب صالح يعيش حياة كريمة ويؤمن حياة كريمة لأطفاله. رجل كهذا يكفيه أن يعيش حياة بسيطة ويسعد أطفاله بإمكاناته البسيطة هذه. على عكس شخص يمتلك حياة كريمة لكنه يبقى طامعاً بالمزيد ومتذمراً ويجحد ولا يرضى بشيء وتبقى الكلمة الوحيدة على لسانه المال هو كل شيء لا حياة بدون مال. وهنا يأتي دور التركيبة الفطرية التي تكلمنا عنها.
التركيبة الفطرية للشخص
وهي تُخلق مع الشخص منذ ولادته ومن النادر بل من المستحيل أن تكون مكتسبة. فهنالك أشخاص يُخلقون بهذا الطمع، لا يقنعون ولا يرضون بقسمتهم مهما قدمت لهم الحياة ومهما رزقهم الله سبحانه وتعالى. يظلون في شعور دائم للحاجة وأن ما بيدهم لا يكفيهم ويظلون ينظرون إلى الذوات الأعلى منهم ويندبون حظهم. أولئك الفئة من أخطر الفئات في المجتمع يرون أن المال هو كل شيء إلى حد أنهم يفضلونه عن أية شيء في حياتهم حتى يكادوا أن يفقدوا الشيء الأثمن في الحياة وهو الصحبة الطيبة والمودة التي تعوض عن كل تلك الأموال.
أما من وجهة النظر العامة، إن المال ضروري ولا يمكن لأي أحد أن ينكر ذلك لأنه وسيلة تسهل العيش. فعلى سبيل المثال، عندما يكون لأحدكم طفل مريض ولا يملك ثمن الدواء اللازم لعلاجه، هنا سيشعر بأن المال هو الغاية الوحيدة التي يطمح للحصول عليها وهذا طبيعي بالنسبة لحالته. وفي نفس الوقت، قد تجد أشخاص كثر من أصحاب الثروات الكبرى يعيشون أتعس حياة لأنهم يفتقرون لما هو أعظم من المال؛ يفتقدون للراحة النفسية والأمان والأشخاص الطيبين في حياتهم. فالمال لا يجر لهم سوى أصحاب المصلحة. وأيضاً قد نجد شخص يملك مال عظيم وثروات وأملاك ومصاب بمرض لا علاج له في تاريخ الطب كله، عندها سيشعر أن كل ما يملكه من مال لا قيمة له.
كيفية تحقيق السعادة المستدامة
هي القدرة على الموازنة بين حاجة النفس وحاجة الروح. نعم، هي مقدرة الإنسان على ضبط نفسه ولا يجعلها تنجر للمال لتتجرد من أية حاجة أخرى كالحاجة للأمان مثلاً أو قد يكون للحب أو قد يكون للرفقة الطيبة. على الإنسان أن يكون قادراً على إعطاء المال الأهمية التي يستحقها في حياته بأن لا يعظمها للقدر الذي يجعله يرى أن السعادة محصورة بها، وفي نفس الوقت ألا يبالغ في تحقيرها لأنها بالفعل حاجة ضرورية.
أي يمكننا القول إنها حاجة ضرورية لكنها ليست السعادة المطلقة. بالإضافة إلى الرضا، فإن للرضا أثر كبير على نفسية الشخص. فقد ترى أناساً يملكون الكثير ولا يرضيهم، يظلون يشعرون بالنقص لأنهم يملكون نفساً طماعة، وأناس آخرون لا يملكون سوى قوت يومهم ويعيشون الحياة بروعتها وجمالها ويملكون نفساً مطمئنة أكثر من أولئك أصحاب الثروات. والسبب أنهم يرضون بقسمتهم وبرضاهم هذا تتوسع أبواب الرزق لديهم ليرزقهم الله من حيث لا يحتسبون.
تقدير المال
إن طرق كسب المال لها علاقة كبيرة بالرضا النفسي للشخص. فمثلاً، شخص ولد بحال جيد، أهله أثرياء لا ينقصه شيء، كل طلباته تُلبى، لم يذق في عمره طعم الحاجة، مستقبله مؤمن من قبل حتى أن يولد، لن يقدر قيمة المال الذي في يديه كشخص انطلق من الصفر وفنى نفسه وصحته ليؤمن مستقبل لعائلته. الشخص الأول لن يشعر بقيمة المال وبمدى تأثيره في سعادته، أما الثاني لأنه كد وعمل ليصنع المال سيشعر بقيمته وبمدى دوره في السعادة النفسية.
حتى فيما يخص القيم، هناك فرق شاسع. فالشخص الأول الذي لم يتحمل في عمره مسؤولية شيء لن يمتلك الفكر والشخصية ذاتها التي يمتلكها شخص ناجح وكاد ومجتهد صنع نفسه بنفسه. فالشخص الأول سيكون فارغاً وسطحي التفكير واهتماماته سطحية، على خلاف الثاني الذي يمتلك فكراً منفتحاً ومثقفاً فيكون قادراً على إدارة حياته كما يدير مصروفه ويحرص على ماله لأنه تعلم الحرص وتعلم تقدير النعم التي وصل لها بكده. لذا يقال إن المال يرتبط بالاجتهاد ارتباطاً وثيقاً. الشخص الذي يكسب المال بجهده يختلف كلياً عن الشخص الذي يصله المال دون تعب ودون جهد.
كما رأينا، هناك معايير كثيرة يجب أخذها بالاعتبار للإجابة على هذا السؤال لنجد أخيراً أن المال هو ميسر للحياة وسبباً لجلب السعادة، لكن السعادة المستدامة والحقيقية تأتي من نظرة الإنسان للمال، أي عندما ينظر إليه ك مكمل للحياة دون إهمال القيم والأساسيات الأخرى.
ما رأيكم أنتم؟ ولو وجه هذا السؤال لكم، ماذا سيكون جوابكم ولماذا؟ أخبرونا في التعليقات.